تاريخ الدولة السعودية الأولى

كانت السلطة السياسية قبيل قيام الدولة السعودية الأولى في وسط الجزيرة العربية تتمثل في زعامات لدى الحاضرة والبادية، وللزعامة مؤهات من أهمها: عراقة النسب، والشجاعة والكرم وغيرها من الصفات الحميدة. وكان الوصول إلى الزعامة يتم من خلال عدة طرق من أهمها: الوراثة، أو بالقوة.

وكانت المنطقة قبيل قيام الدولة السعودية الأولى غير مستقرة سياسياً لوجود كثير من الإمارات المحلية، فقد كان في كل بلدة صغيرة إمارة، وكأنها دولة مستقلة، فبلدان العيينة وحريماء والخرج والرياض والدرعية وملهم وشقراء وثرمداء وغيرها، كانت بمثابة إمارات وزعامات لا يجمعها كيان واحد، مما جعل المنطقة مشتتة ومقسمة، فانتشرت الحروب والنزاعات داخل البلدة الواحدة وبن البلدان من أجل السيطرة والنفوذ.

والتاريخ المحلي لوسط الجزيرة العربية يصف لنا ما كانت فيه معظم تلك الإمارات من عدم استقرار وحروب ونزاعات وقتال.

أسرة آل سعود قبل قيام الدولة السعودية الأولى

تنتسب أسرة آل سعود إلى قبيلة بني حنيفة إحدى قبائل بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. وكان وجود أسرة آل سعود يتركز في شرق الجزيرة العربية، ووجودهم في تلك البقعة من الجزيرة يعود لهجرات حدثت من وسط الجزيرة العربية قام بها فرع من بني حنيفة بعد تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في اليمامة، واستمر وجودهم في تلك المنطقة حتى منتصف القرن التاسع الهجري تقريباً/الخامس عشر الميادي، -شاء الله عز وجل- أن يعودوا إلى منبعهم الأصلي، فكان يتزعم الأسرة في شرق الجزيرة العربية مانع بن ربيعة المريدي، وكان يقطن منطقة أو مكاناً في شرق الجزيرة يقال له: الدروع أو الدرعية، وكان بينه وبن قريبه ابن درع مراسات نتج عنها انتقال مانع المريدي إلى نجد هو وأفراد عائلته، وأقطعه ابن درع في عام 850 هـ/ 1446 م أرضي المليبيد وغصيبة اللتن أصبحتا فيما بعد نواة لتأسيس الدولة السعودية الأولى، وسميت بالدرعية التي صارت إمارة فيما بعد، وتوارثها أبناء مانع المريدي وأحفاده من بعده حتى قيام الدولة السعودية الأولى.

سارت الأحداث حتى استلم إمارة الدرعية سعود بن محمد بن مقرن سنة 1132 هـ/ 1725 م، وكانت إمارة سعود بن محمد بداية مرحلة مهمة من تاريخ حكم آل سعود في الدرعية قبل قيام الدولة السعودية الأولى لأنه كان ذا أثر في زيادة قوة إمارة الدرعية التي أصبحت ذات تأثير في سير الأحداث في منطقة العارض (وسط نجد).

بعد وفاة سعود بن محمد بن مقرن تولى الإمارة زيد بن مرخان بن وطبان، وكان الأكبر سناً من آل سعود، ولكن حكمه لم يمتد طوياً لكبر سنه، مما دعا مقرن بن محمد بن مقرن إلى انتزاع الإمارة منه، لكن الأمور لم تستمر طوياً لمقرن، وذلك عندما حاول الغدر بزيد بن مرخان الذي كان يحكم قبله، مما دعا محمد بن سعود ومقرن بن عبدالله إلى قتله، وكان ذلك سنة 1139 ه/ 1727 م.

بعد ذلك عاد إلى الإمارة زيد بن مرخان، إلا أنه عندما هجم على إمارة العيينة سعت – بعد ذلك – إلى التحايل عليه وطلبت التفاوض معه، وعندما ذهب تم قتله، وبعد قتل زيد بن مرخان تولى محمد بن سعود بن مقرن الإمارة في الدرعية سنة 1139 ه/ 1727 م، وظل حكمه حتى سنة 1179 ه/ 1765 م.

عندما سار الشيخ محمد من العيينة إلى الدرعية استقر به المقام في بيت أحد تلاميذه من أسرة آل سويلم، وعندما علم الأمير محمد بن سعود بوصول الشيخ إلى الدرعية اتجه إلى منزل ابن سويلم والتقى بالشيخ الذي وضّح له مبادئ الدعوة وأهدافها، التي كان لها أثر في نفس الأمير محمد بن سعود وتبايع الاثنان على نصرة الدين؛ الشيخ بعلمه، والأمير بسلطته.

وكان هذا اللقاء أو ما يعرف باتفاق الدرعية 1157 ه/ 1744 م، بداية قيام الدولة السعودية الأولى. بعد ذلك ازداد أتباع الدعوة والتلاميذ الذين اجتمعوا حول الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الدرعية.

لم تكن الدولة مع بدايتها ذات مساحة تسمح لها بأن تتجه في نفوذها خارج نجد، خصوصاً وأن نجداً احتاجت إلى عدة سنوات كي تكون تحت سيادة الدولة السعودية الأولى بكاملها.

وأول صراع بن الدولة وخصومها كان مع أمير الرياض دهام بن دواس، وكان سبب الصراع هو أن أهالي منفوحة كانوا من الموالن للدعوة والدولة، وقد اعتدى أمير الرياض على منفوحة مما جعل الإمام محمد بن سعود يتحرك دفاعاً عن منفوحة ضد دهام بن دواس، ومن هنا كانت البداية لتوحيد نجد.

مراحل توحيد البلاد في عهد الدولة السعودية الأولى

أولاً: توحيد نجد:

يُقسّم المؤرخون توحيد نجد إلى ثاث مراحل، ذلك لأن توحيدها استمر حوالي ( 40 ) سنة ويعود طول مدة توحيدها إلى ما تأصل في نفوس أمراء المناطق وزعماء القبائل من نزعة استقلالية، ولم يدركوا أنه لابد لهم من وحدة، وفي مرحلة توحيد نجد واجهت الدولة مشكلات من أههما دهام بن دواس، فكانت بداية العمل لتوحيد نجد سنة 1159 هـ/ 1746 م ، حيث دخلت الدولة في صراع مع خصومها، وأبرز خصومها في نجد أمير الرياض الذي كان يضيق ذرعاً بتوسع نفوذ الدولة السعودية الأولى في نجد، فكان دائم التحرش بمنفوحة الموالية للدولة، لذلك يقدر عدد المواجهات بن الدولة ودهام بن دواس حوالي ( 17 ) موقعة، وطبيعة المواجهات كانت متأرجحة، فعندما يرى دهام أنه على وشك النهاية يلجأ إلى طلب الصلح، وإن أحس بقوة سعى إلى المواجهة، هذا مما أدى إلى استمرار الصراع معه إلى أكثر من ( 28 ) عاماً تقريباً، لكنه في النهاية لم يكن قادراً على مواجهة الدولة فاضطر إلى الهرب من الرياض سنة 1187 ه/ 1773 م. في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، حيث انضمت الرياض إلى بوتقة الدولة السعودية الأولى.

المشكلة النجرانية ( معركة الحائر 1178 هـ/ 1764 م) :

كانت المشكلة النجرانية من أهم المشكلات التي واجهت الدولة وهي تسعى إلى توحيد بلدان نجد، وكان سبب المشكلة لجوء بعض القبائل إلى حاكم نجران الحسن بن هبة الله المكرمي، الذي قاد جيشاً لمواجهة الدولة السعودية الأولى. التقى الجيشان في الحائر القريبة من الرياض، وكان الجيش السعودي بقيادة الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود قبل توليه الحكم، وجيش نجران بقيادة الحسن بن هبة الله المكرمي، وعندما دارت المعركة هُزمت قوات الدولة السعودية الأولى، مما دعا الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى أن يشير على الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود القائد بأن يلجأ للصلح، وهذا ما حصل بالفعل وعاد جيش نجران بعد عقد الصلح.

ضم الدولة السعودية الأولى لجنوب نجد:

كانت علاقة الدولة بجنوب نجد تتمثّل في بدايتها بإرسال الدعاة إلى الخرج وما بعدها، ولكن الخرج ومناطق جنوب نجد لم تستجب للدعوة، واستمر الحال ساكناً حتى ضمت الدولة الرياض سنة 1187 هـ/ 1773 م، وقامت بتوجيه رسالة إلى حاكم الخرج زيد بن زامل لكي يدخل تحت كنف الدولة لكنه لم يستجب للرسالة، فلم يكن أمام الدولة إلا العمل على إخضاع جنوب نجد، وكان حاكم الخرج يعلم أنه لا يستطيع مواجهة الدولة وحده، فقام بإرسال رسالة إلى حاكم نجران يطلب منه أن يقف معه ولكنه رفض إلا مقابل المال، وتمت بالفعل المواجهة بن قوات الدولة والمتحالفن أكثر من مرة كان آخرها في ضرماء حيث انتصر فيها الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود وقواته على التحالف، وتوالت بعد ذلك الحمات على جنوب الخرج، فأرسل الإمام عبدالعزيز حملة بقيادة سليمان بن عفيصان، هزم فيها حاكم الخرج وهرب منها، مما أدى إلى دخول سليمان بن عفيصان الخرج، لكن زيد بن زامل أعيد إلى الخرج بعد مساعدة الأهالي مما أدى إلى خروج سليمان بن عفيصان.

بعد ذلك توجه الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود على رأس حملة إلى الخرج، وقام ببناء قصر البدع بالقرب من الخرج أماً في مضايقة حاكم الخرج الذي قام بالاستنجاد ببني خالد في الأحساء، وأتى جيش من بني خالد لكي يقتحموا القصر، لكن لم يكتب لهم التوفيق في سعيهم فعادوا. وحصل خلاف بن آل زامل بعد مقتل زيد بن زامل سنة 1196 هـ/ 1782 م، وتولى ابنه بَرَّاك الذي قُتل أيضاً.

وفي سنة 1199 ه/ 1785 م توجهت حملة إلى الدلم والخرج أخضعتهما لحكم الدولة السعودية الأولى، وبعد ذلك أصبحت المنطقة الواقعة جنوب نجد سنة 1202 هـ/ 1788 م  كاملها تحت حكم الدولة السعودية الأولى بعد ضم الحريق والحوطة حتى وادي الدواسر.

ضم الدولة السعودية الأولى لشمال نجد:

كانت بداية ضم شمال نجد سنة 1182 ه/ 1768 م عندما انضوت بريدة طوعا تحت راية الإمام، واستقر الأمر للدولة فيها سنة 1202 هـ/ 1788 م بعد دخول عنيزة في بوتقة الدولة السعودية الأولى. بعد ضم القصيم تمكنت الدولة من ضم حائل سنة 1201 هـ/ 1787 م، فكان دخولها تحت الحكم السعودي قبل عنيزة التي دخلت بعدها بعام. ثم عين على حائل محمد بن عبدالمحسن آل علي الذي قام بالتوسع شمالاً حتى يتمكن من السيطرة على (دومة الجندل) وتيماء ووادي السرحان لتنضم إلى الدولة السعودية الأولى.

ثانياً: ضم الأحساء للدولة السعودية الأولى:

كانت الأحساء تحكم من قبل بني خالد، وكان بداية التوتر بن بني خالد والدولة السعودية الأولى ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، عندما أراد بنو خالد خروج الشيخ من العيينة، ومن ثم سيطرت الدولة السعودية على أجزاء من نجد كانت على علاقة مع بني خالد، كذلك كانت المعارضة في نجد دائمة اللجوء للخوالد ضد الدولة السعودية الأولى.

وفي الصراع مع بني خالد في البداية كانت الدولة السعودية الأولى تقف موقف المدافع ضد هجماتهم، وضد تحالفهم مع حاكمي نجران و الخرج ، ويعود سبب ذلك إلى أن الدولة السعودية لا زالت في طور توحيد منطقة نجد.

لكن بعد أن استقرت الدولة تغيرت إستراتيجية المواجهة من الدفاع إلى الهجوم وتوجيه الحمات إلى شرقي الجزيرة العربية، وقد استمرت المواجهة بعد تغير الإستراتيجية من سنة 1198 هـ/ 1784 م حتى سنة 1210 هـ/ 1796 م، جرى خلالها العديد من المواجهات، كانت غالبيتها لصالح الدولة السعودية الأولى.

وكانت طبيعة الصراع تقوم على المواجهة المباشرة، وقد تغيرت هنا الموازين، فبعد أن كان المعارضون يلجؤون إلى بني خالد، نجد هنا بني خالد يلجؤون إلى والي البصرة في العراق لمساعدتهم ضد الدولة السعودية الأولى، حتى استقر الأمر للدولة السعودية في الأحساء سنة 1210 ه/ 1796 م، فأصبحت المنطقة الشرقية جزءاً من الدولة السعودية.

ثالثاًً: ضم الحجاز للدولة السعودية الأولى:

كان حكّام الحجاز يحتمون بالدولة العثمانية، حيث إنهم يحكمون باسمها. وكانت العلاقة بن الأشراف والدولة السعودية الأولى قد تمت في البداية عن طريق دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فقد ذهب ثلاثون عالماً من علماء الدعوة إلى الحجاز في عهد الشريف سعود بن سعيد الذي حكم بن 1146 هـ/ 1733 م- 1165 هـ/ 1751 م، وتناظروا مع علماء مكة، وبعد إقامة الحجة على علماء مكة لجأ الأشراف إلى منع أتباع الدعوة من الحج.

وبعد تولي الشريف أحمد بن سعيد سنة 1184 هـ/م 1770 ، تحسنت العلاقات بن الأشراف وحكام الدولة السعودية الأولى، وفي سنة 1185 هـ/ 1771 م، طلب الشريف أحمد من الإمام عبدالعزيز بن محمد إرسال من يبن لهم حقيقة الدعوة، فأرسل إليهم الشيخ عبدالعزيز الحصن، وقد تناقش مع علماء الحجاز حول أصول الدعوة ثم عاد معززاً مكرماً.

ثم خلع الشريف أحمد بن سعيد سنة 1186 هـ/ 1772 م، وتولى مكانه الشريف سرور بن مساعد الذي قضى على محاولة التفاهم بن الدولة السعودية والأشراف، وقام
بمنع أتباع الدعوة من الحج سنة 1197 هـ/ 1782 م، ولكنه بعدما أرسل له الإمام عبدالعزيز الهدايا الثمينة سمح لهم بالحج.

وفي سنة 1202 هـ/ 1787 م تولى الشريف غالب بن مساعد، وطلب من الدولة السعودية أن ترسل عالماً يتباحثون معه حول مبادئ الدعوة، فقامت الدولة بإرسال الشيخ  عبدالعزيز الحصن فرفض علماؤهم التباحث معه، وكان ذلك بتدبير من الشريف غالب لكي يثبت للناس حسن نيته تمهيداً لحملاته العسكرية.

أرسل الشريف غالب بن مساعد أخاه عبدالعزيز بن مساعد على رأس حملة انضم لها عدد من أفراد قبيلة شمر وقبيلة مطير، لكن الحمات فشلت وانسحب الشريف لقرب موسم الحج سنة 1202 هـ/ 1788 م.

بعد ذلك بدأ ميزان القوى بن الطرفن يتغير، وذلك بعدما هزم الإمام سعود بن عبدالعزيز قبيلتي شمر ومطير المتحالفتن مع الأشراف، مما دعا قبائل الحجاز إلى الانضمام إلى الدولة السعودية الأولى.

وفي سنة 1210 هـ / 1796 م جهز الشريف غالب حملة بقيادة الشريف ناصر بن يحيى وصلت إلى عالية نجد، وقد تواجه الجيشان وانتصر الجيش السعودي، مما دعا الشريف ناصر ومن بقي معه إلى الهرب إلى الحجاز، وكانت هذه إحدى المعارك الفاصلة مع الأشراف وهي معركة )الجُمانِيّة( والتي غيرت من إستراتيجية الأشراف من الهجوم إلى الدفاع، وأدت إلى زيادة النفوذ السعودي في الحجاز.

استمرت المواجهة إلى أن تغيرت موازين القوى بن الطرفن مما اضطر الشريف غالب إلى الهرب من مكة، ودفع بأخيه الشريف عبدالمعن أن يرسل إلى الإمام سعود بن عبدالعزيز سنة 1218 هـ/ 1804 م، ويعرض عليه التبعية شريطة أن يكون أميراً على الحجاز من قبل الدولة السعودية الأولى، وبالفعل وافق الإمام سعود ودخل مكة دون حرب، وبعد عودته إلى نجد عاد الشريف غالب وطرد الحامية السعودية وعاد الصراع مرة أخرى، حتى حاصر جيش الدولة الشريف غالب سنة 1220 هـ/ 1806 م، في مكة، وقد علم أنه ليس له مفر من الطاعة للدولة السعودية الأولى، فعرض على الإمام سعود أن يكون أميراً على مكة مقابل التبعية، وهذا ما حدث، وكان من نتائج ضم مكة طاعة المدينة المنورة، ودخولها في بوتقة الدولة السعودية الأولى.

رابعاً: ضم جنوب البلاد للدولة السعودية الأولى:

عسير:

ضمت عسير إلى الدولة السعودية الأولى بعد ضم جنوب نجد، حيث إن ربيع بن زيد الدوسري أحد قادة الدولة السعودية قام بحمات على بيشة حتى تمكن من ضمها للدولة تماماً عام 1213 هـ/ 1799 م، ومن ثم بدأت البلدان العسيرية تدخل في طاعة الدولة، حيث إن محمد بن عامر المتحمي وشقيقه عبد الوهاب، تعلما في الدرعية ثم عادا لنشر الدعوة السلفية في عسير، فوقف محمد بن أحمد اليزيدي حاكم عسير، في وجههما وهو ما دعاهما لطلب العون من الدولة السعودية الأولى التي عاونته للسيطرة على عسير في عام 1216 هـ/ 1802 م، ولما توفي محمد بن عامر تولى بعده أخوه عبدالوهاب والذي أصبح من أبرز قادة الدولة الذين دافعوا عنها في وقت حمات محمد علي باشا.

المخلاف السليماني:

وصلت مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى المخاف السليماني عن طريق أهل المخاف الذين كانوا يأتون إلى مكة لتأدية فريضة الحج، لذلك أصبح للدولة أنصار وأتباع في المخاف السليماني عن طريق الدعوة، كذلك كان للذين اقتنعوا بمبادئ الدعوة أثر كبير في نشر دعوة الشيخ في اليمن.

ووصول دعوة الشيخ إلى المخاف السليماني يعني وصول نفوذ الدولة إليها، وهذا مما أثار الشريف حموداً في أبي عريش، الذي بدأ الصراع مع عبدالوهاب بن أبي نقطة حاكم عسير التابع للدولة، وخال الصراع تفوق أبو نقطة على الشريف حمود بسبب دعم الدولة السعودية الأولى لأبي نقطة، وكان الشريف حمود ينتظر من إمام صنعاء مساعدته ضد هجمات حاكم عسير، ولكن دون جدوى، حتى أصبح الشريف حمود يظهر الولاء للدولة السعودية الأولى والتبعية لها، لكنه كان غير مستقر في ذلك.

نهاية الدولة السعودية الأولى

كان ضم الدولة السعودية الأولى للحرمن الشريفين ذات أثر كبير في سعي الدولة العثمانية إلى إنهاء حكم الدولة السعودية الأولى، وذلك لاستعادة هيبتها أمام العالم الإسامي، وحتى تعود لها الصبغة الشرعية التي كانت تتمتع بها عندما كانت الحجاز تابعة لها.

وبعد عدة محاولات فاشلة عبر العراق والشام، أوعزت الدولة العثمانية لواليها على مصر محمد علي باشا سنة 1222 هـ/ 1808 م، بالقيام بحملة للقضاء على النفوذ السعودي في الحجاز والجزيرة العربية عموماً، ووجد محمد علي باشا الفرصة سانحة له ولأطماعه التوسعية باسم الدولة العثمانية.

حملات محمد علي ضد الدولة السعودية الأولى:

جهز محمد علي الحملة الأولى سنة 1226 هـ/ 1811 م، بقيادة ابنه طوسون، وقد نزلت الحملة إلى ميناء ينبع، وانتصرت على الحامية السعودية فيها، وبعد ذلك بدأ طوسون يجهز جيشه للتوجه إلى جنوب المدينة المنورة، وقد واجه طوسون قوات الدولة السعودية الأولى بقيادة عبد الله بن سعود في وادي الصفراء، وألحقت به هزيمة كبيرة، وهرب هو ومن بقي معه إلى ينبع، وأرسل إلى والده يطلب المدد، وبالفعل أمده والده مما جعله يتجه مرة أخرى إلى المدينة المنورة، ويحاصرها حتى استطاع السيطرة عليها، وبذلك أصبح طوسون يسيطر على شمال الحجاز من ينبع إلى المدينة المنورة، حيث توجه بعد ذلك إلى جدة بعد اتفاق سري بينه وبن الشريف غالب، ومنها زحف إلى مكة واستولى عليها دون قتال، وكان الإمام عبدالله بن سعود في الحجاز، ومع تقدم قوات طوسون، انسحب إلى الطائف ليعسكر فيها، وبعد ذلك تواجه الجيشان السعودي بقيادة الإمام سعود وجيش طوسون، واستطاع الإمام هزيمة قوات طوسون.

بعد هزيمة طوسون دعا الأمر لحضور محمد علي باشا إلى ميدان القتال بنفسه سنة 1228 هـ/ 1813 م، وحدثت عدة حروب ومناوشات بن الطرفن، لكنها لم تكن حاسمة.

وفي سنة 1229 هـ/ 1814 م، توفي الإمام سعود بن عبدالعزيز الذي وصلت فيه الدولة السعودية إلى أقوى نفوذها وانتشارها، وخلفه ابنه الإمام عبدالله بن سعود.

وفي سنة 1231 هـ/ 1816 م، أتت الحملة التي استهدفت القضاء على الدولة السعودية الأولى بكاملها، وهي حملة إبراهيم باشا، وقد وصلت الحملة إلى ينبع، ومنها كان الزحف نحو وسط الجزيرة العربية، وكان الإمام عبدالله بن سعود متحصناً في الرس، مما دعا إبراهيم باشا إلى التوجه نحو الرس التي تركها الإمام عبدالله متجهاً نحو شقراء، وقد حاصر إبراهيم باشا الرس لمدة ثلاثة أشهر عجز فيها هو وقواته وعتاده عن السيطرة عليها إلا صلحاً، برغم أن عنيزة وما يحيط بها قد رضخت لقوات إبراهيم باشا، وبعد ذلك اتجه نحو بريدة، وبعد قتال استمر ثلاثة أيام متواصلة سلمت المدينة، ومن ثم اتجه إبراهيم باشا نحو وادي حنيفة بعد أن سقط إقليم الوشم في يده، ثم اتجه إلى ضرماء حيث قاوم أهلها إبراهيم باشا وكبدوا جيشه خسائر كبيرة. وبعد استيلائه عليها أصبح قريباً من الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى.

حاصر إبراهيم باشا الدرعية مدة طويلة تجاوزت خمسة أشهر أظهرت خلالها قوات الدولة السعودية الأولى بسالة واضحة وصموداً أعجز إبراهيم باشا عن التسلل داخل أسوار الدرعية، إلا أن الصمود وحده لا يكفي أمام قوات كانت معدة لمثل هذه المواقف، مما دفع بالإمام عبدالله إلى التسليم سنة 1233 هـ/ 1818 م، وبذلك سقطت الدولة السعودية الأولى وكانت نهايتها.