رحلة توحيد المملكة العربية السعودية
ولد الملك عبدالعزيز سنة 1293 هـ/ 1877 م، في الرياض، ونشأ وتربى على يد والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة، ومن ثم توسع في دراسة الفقه والتوحيد، كما تعلم مبادئ الفروسية، وأقبل الملك عبدالعزيز على الفروسية بشغف فتعلم استعمال البندقية والسيف وركوب الخيل والإبل وغيرها من المهارات التي يُعدّ بها الفرسان.
وقد عاصر الملك عبدالعزيز أول أيام عمره بعض الأحداث التي مرت بها الدولة السعودية الثانية، والتي أدت إلى نهايتها، وهذا يعطي دلالة على النشأة التي نشأها الملك عبدالعزيز وما كان فيها من قساوة وعن تفهم للأحداث منذ فترة مبكرة من عمره.
لقد كانت نشأة الملك عبدالعزيز عاماً مساعداً له في تخطي الكثير من المصاعب التي واجهته في تأسيس المملكة العربية السعودية. ومما أثر في نشأة الملك عبدالعزيز تأثيراً كبيراً مرافقته لوالده في ارتحاله بعد سقوط الدولة السعودية الثانية، خصوصاً بن البادية، بن قبائل العجمان وآل مرة، مما ساعده على التعود على خشونة العيش والجلد والصبر.
كذلك والده الإمام عبدالرحمن كان يعتمد عليه في مراساته السياسية، وغيرها، فقد أرسله إلى شيخ البحرين عيسى بن علي آل خليفة يطلب منه السماح لنساء الأسرة بالإقامة في البحرين بعد سقوط الدولة السعودية الثانية، ولا شك أن هذه المراسات تكوّن شخصية الإنسان تكويناً ممتازاً، وتعدّه لحمل المسؤولية.
الأحداث قبل استرداد الملك عبدالعزيز الرياض وتوحيد المملكة العربية السعودية
معركة الصريف
بعدما سيطر محمد بن عبدالله بن رشيد على منطقة نجد سنة 1309 هـ/ 1892 م، كان يتطلع إلى منفذ بحري لإمارته، وكانت الكويت أقرب المنافذ إليه في عاصمته حائل، لكنه لم يمض في تحقيق رغبته لخوفه من بريطانيا القريبة من مبارك الصباح، وفي سنة 1315 هـ/ 1897 م توفي محمد بن عبدالله بن رشيد وخلفه ابن أخيه عبدالعزيز بن متعب بن عبدالله بن رشيد، الذي كان يتخذ سياسة الشدة في جميع أمور إمارته وشؤونها، وقد تحمس لغزو الكويت، ولتحقيق رغبات عمه، إضافة إلى وجود أسرة آل سعود في الكويت،
فبدأ الصدام بينه وبن مبارك الصباح الذي زاد تقربه من بريطانيا حتى عقد معهم معاهدة الحماية سنة 1316 هـ/ 1898 م، مما أعطى مبارك الصباح الشعور بالقوة والشجاعة لغزو ابن رشيد، حيث أعد جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل كان على رأسهم من آل سعود الإمام عبدالرحمن بن فيصل وابنه عبدالعزيز، والباقي من الجيش سار مع مبارك الصباح نحو القصيم، والتقى مع ابن رشيد في موقعة الصريف شمال شرق بريدة سنة 1318 هـ/ 1901 م، وكانت النتيجة الحاسمة للموقعة هي هزيمة جيش مبارك الصباح، فعاد مبارك
الصباح والإمام عبدالرحمن إلى الكويت.
المحاولة الأولى لاسترداد الرياض وتوحيد المملكة العربية السعودية
وقد انتهز الفرصة الملك عبدالعزيز واقترح على والده أن ينفصل بفرقة من الجيش لاسترداد الرياض، ووافق والده بانفصال عبدالعزيز بألف رجل من الجيش نحو الرياض، وقد استطاع بفرقته دخول الرياض بسهولة ومحاصرة حامية ابن رشيد في المصمك، إلا أن الخبر أتاه من والده يأمره بفك الحصار والعودة إلى الكويت.
وسمع الملك عبدالعزيز نداء والده، فعاد إلى الكويت مطيعاً له، منفذاً لأمره، مع أنّ هزيمة مبارك الصباح في الصريف لم تمنع الملك عبدالعزيز من عقد العزم في نفسه مستقبلاً على ما يريد، وقد حقق الملك عبدالعزيز بحملته هذه بعض التقدم في سعيه لاسترداد الرياض مستقبلاً، وذلك بمعرفته بالرياض وأهلها، وعرف مدى استجابتهم وترحيبهم بعودة الحكم للأسرة السعودية، كما أنه عرف مواطن الضعف والقوة في حامية ابن رشيد في الرياض.
بعدما عاد الملك عبدالعزيز إلى الكويت كان يلح على والده أن يأذن له بأن يعاود الكرّة في استرداد الرياض بنفسه حتى اقتنع الإمام عبدالرحمن بفكرة ابنه وأذن له بذلك.
خروج الملك عبدالعزيز من الكويت لاسترداد الرياض وتوحيد المملكة العربية السعودية عام 1319 هـ:
خرج الملك عبدالعزيز من الكويت برجاله الذين يزيدون عن الستين رجاً وقام بحمات عديدة على بعض القبائل ليزيد من عدد من حوله خاصة من الذين أغراهم الكسب فوصل عدد قواته إلى ما يقارب الألف رجل، وعندما حذر ابن رشيد المتصرفَ العثماني في الأحساء التي أيدت معظم قبائلها الملك عبدالعزيز قامت الدولة العثمانية بالتضييق على القبائل إلى أن تخلوا عن الملك عبدالعزيز الذي اتجه إلى إستراتيجيته السرية، وظل معه القليل من أتباعه وعددهم ثلاثة وستون رجاً، وسلك بهم طريقاً غير مألوف حيث مكثوا فترة في الربع الخالي، وكان سيرهم لياً كي لا يحس بهم عدوهم حتى أتى شهر شوال من سنة 1319 هـ/ 1902 م، حيث اتجه للرياض ووصل إليها في الرابع من شهر شوال.
وقسم أتباعه إلى ثلاثة أقسام: قسم بقي خارج الرياض للاحتياط، والثاني رديف له، وقسم سار به إلى الرياض حتى استطاع دخول بيت أمير الرياض عجان بن محمد العجان من قبل ابن رشيد، وتبن أن عجان لم يكن ينام في بيته، وإنما في حصن المصمك مركز الحامية العسكرية، وعلم أنه لا يخرج إلى بيته إلا بعد صاة الفجر، فوضع الملك عبدالعزيز خطة لقتله حن خروجه من حصن المصمك، وبالفعل عندما خرج عجلان من الحصن إلى بيته التقى الملك عبدالعزيز وأتباعه بعجان وحامية ابن رشيد وبدأ القتال، وقتل عجلان على يد الأمير عبدالله بن جلوى آل سعود، واستسلم الباقون من حامية ابن رشيد، فاسترد الملك عبدالعزيز الرياض، وأتى أهالي الرياض إلى الملك عبدالعزيز مبايعين.
وبذلك تم استرداد الرياض، ونودي بالإمامة لعبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل، في الخامس من شوال سنة 1319 هـ/ 1902 م، وكانت هذه هي النواة الأولى لتأسيس
المملكة العربية السعودية.
جهود الملك عبدالعزيز في توحيد المملكة العربية السعودية
ضم جنوب نجد وسدير والوشم:
بعدما استرد الملك عبدالعزيز الرياض، وحصنها، وفد عليه والده الإمام عبدالرحمن من الكويت بمعية الأسرة السعودية، وعندما وصل الإمام عبدالرحمن للرياض تنازل
عن الحكم لابنه عبدالعزيز، وأقبلت الخرج والحريق والحوطة ووادي الدواسر والأفاج وقدمت الطاعة والمبايعة، فاستمر الملك عبد العزيز في جهوده لتوحيد المملكة العربية السعودية، فكانت تدور تلك الأحداث وعبدالعزيز بن رشيد يمني نفسه بالهجوم على الرياض، حتى أيقن بأن الهجوم على الرياض بات ضرورياً، فاتجه بالفعل نحو الرياض بعدما خدع بخطة محكمة حاكها الملك عبدالعزيز له في جنوب الرياض، واتجه إلى المنطقة الجنوبية من الرياض، والتقى مع الملك عبدالعزيز في موقعة الدلم سنة 1320 هـ/ 1903 م، وقد اتخذ الملك عبدالعزيز ضد ابن رشيد حرب العصابات، وانتهت الموقعة بانسحاب ابن رشيد من المنطقة إلى الحفر.
وقللت هذه الموقعة من هيبة ابن رشيد في المنطقة، ورفعت مكانة الملك عبدالعزيز، وبدأت الموازين تتغير في القوى بالمنطقة، وهذا ما ساعد الملك عبدالعزيز على التوسع في المناطق الشمالية من الرياض.
وفي عام 1321 هـ/ 1904 م ضم الملك عبدالعزيز المحمل والشعيب، واستمر في التوسع حتى شقراء وثرمداء والوشم، وتمكن من ضم منطقة سدير بأكملها.
ضم القصيم:
حدثت مناوشات بن الملك عبدالعزيز وأتباعه مع سرية لابن رشيد يقودها حسن بن جراد، انتهت بقتل قائد سرية ابن رشيد، وضم عبدالعزيز السر جنوب القصيم، وبذلك وصل الملك عبدالعزيز بحدود إمارته إلى القصيم، وخال هذه الفترة وفد إلى الملك عبدالعزيز آل مهنا أمراء بريدة وآل سليم أمراء عنيزة من الكويت مبايعين.
بعد ذلك استغل الملك عبدالعزيز الفرصة، وهي وجود ابن رشيد في الحفر معسكراً للهجوم على الكويت، فهاجمت قواته عنيزة وقتل قائد سرية ابن رشيد فيها ثم التقى الملك عبدالعزيز مع قوة ابن رشيد يقودها ماجد بن حمود بن رشيد وهزمها، وكان ضم عنيزة سنة 1322 هـ/ 1904 م.
بعد ذلك توجه الملك عبدالعزيز نحو بريدة واستردها بعدما حاصر حامية ابن رشيد فيها، التي كان يقودها عبدالرحمن بن ضبعان، واضطرت الحامية إلى التسليم في السنة نفسها التي ضمت فيها عنيزة أي سنة 1322 هـ/ 1904 م حيث سهل – بعد ذلك – على الملك عبدالعزيز ضم المناطق الأخرى لمنطقة القصيم.
في هذه الأثناء كان ابن رشيد يحس بالخطر فطلب من الدولة العثمانية إمداده ضد الملك عبدالعزيز، وبعد محاولات عدة تجاوبت الدولة العثمانية مع مطالب ابن رشيد وأمدته بأحد عشر طابوراً عسكرياً من الجيش النظامي العثماني، وكان الإمداد من ولايات العراق والمدينة المنورة.
سار ابن رشيد نحو القصيم ومعه الجيش النظامي والتقى مع الملك العزيز في موقعة البكيرية سنة 1322 هـ/ 1904 ، وانتهى الأمر بهزيمة جيش الملك عبدالعزيز، لكنه استطاع أن يجمع قواته من جديد، وأتته الإمدادات من المناطق التي ضمها سابقاً، والتقى مع قوات ابن رشيد مرة أخرى في موقعة الشنانة في السنة نفسها 1322 هـ/ 1904 م، وقد طَبّق الجيش الخطة التي رسمها الملك عبدالعزيز في الموقعة السابقة، موقعة البكيرية وهي خطة لم يطبقها الجيش كما طلب منه في الموقعة التي حدثت فيها الهزيمة، وتقتضي تلك الخطة أن يواجه أهل العارض جيش ابن رشيد، ويواجه أهل القصيم الجيش النظامي، وكانت الموقعة غرب الرس، وقد نجحت الخطة وانتهت الأمور بانتصار الملك عبدالعزيز على ابن رشيد والثأر من هزيمة البكيرية، وكانت الغنائم من الأموال والعتاد العسكري كبيرة في هذه الموقعة.
بعدما انتصر الملك عبدالعزيز في موقعة الشنانة تغير الموقف العثماني من الدعم لابن رشيد إلى مفاوضة الملك عبدالعزيز، بحيث تصبح القصيم تحت حكم الدولة العثمانية مباشرة، وما يقع شمال القصيم، لابن رشيد وجنوبها للملك عبدالعزيز، لكن هذا الحل لم يكن مرضياً للملك عبدالعزيز لأن القصيم كانت تمثل جزءاً من الدولة السعودية.
في هذه الأثناء كان الملك عبدالعزيز قد اتجه ناحية قطر لنجدة حاكمها قاسم آل ثاني لقيام ثورة داخلية عليه، ويبدو أن عبدالعزيز بن رشيد استغل غياب الملك عبدالعزيز فأراد مهاجمة القصيم، وجاء بجيشه وعسكر في روضة مهنا – شرق بريدة – في الوقت الذي عاد فيه الملك عبدالعزيز إلى نجد بعد مهمته التي أنجزها في قطر.
سمع الملك عبدالعزيز بمعسكر ابن رشيد، فعزم على مهاجمته بعد انضمام قوات من القصيم على حن غرة، وبالفعل تم الهجوم في روضة مهنا سنة 1324 هـ/ 1906 م، وانتهى الأمر بقتل عبدالعزيز بن رشيد، وقتل من جيشه 250 قتياً، وتراجع ما بقي من جيشه إلى حائل.
بعدما قتل عبدالعزيز بن رشيد خلفه ابنه متعب بن عبدالعزيز بن رشيد وعقد صلحاً مع الملك عبدالعزيز، أما القوات العثمانية فقد ارتحلت عن المنطقة، وبذلك خضعت القصيم بكاملها للملك عبدالعزيز.
هنا أخذت الأوضاع في إمارة آل رشيد تزداد سوءاً بعد مقتل عبدالعزيز المتعب بن رشيد، وبدأ الصراع الأسري على الحكم، خصوصاً بعدما تولى الحكم متعب بن عبدالعزيز، فقد ثار عليه ابن عمه سلطان بن حمود بن عبيد بن رشيد وقتله وتولى الإمارة، ونقض الصلح الذي أبرمه متعب مع الملك عبدالعزيز.
المشكلات الي واجهت توحيد المملكة العربية السعودية في هذه الفترة 1325 هـ/ 1907 م- 1329 هـ/ 1911 م:
- نقض الصلح الذي أبرمه معه متعب بن رشيد من قبل سلطان بن رشيد، وتجدد القتال بن الطرفن.
- تحالف زعيم مطير فيصل بن دويش ونايف بن هذال، وأمير بريدة محمد بن عبدالله أبا الخيل مع سلطان بن رشيد ضد الملك عبدالعزيز.
- خروج الهزازنة في الحريق على طاعة الملك عبدالعزيز.
- أسر أخو الملك عبدالعزيز الأمير سعد من قبل الشريف الحسين بن علي.
- منع القافلة التي بعث بها الملك عبدالعزيز إلى الأحساء من دخولها.
- خروج أبناء عمه على سلطته.
- استنجاد الشيخ مبارك الصباح بالملك عبدالعزيز لمواجهة المنتفق.
كيفية مواجهة الملك عبدالعزيز لهذه الأحداث:
جميع هذه المشكلات واجهها الملك عبدالعزيز في وقت متقارب، واستطاع بتوفيق الله – عز وجل – التغلب عليها، فقد أغار على مطير وهزم زعيمهم قرب المجمعة، كذلك قامت الحرب بينه وبن سلطان بن رشيد في عدة معارك أهمها الطرفية سنة 1325 هـ/ 1907 م، والأشعلي سنة 1327 هـ/ 1909 م، وقد ضعف بعدها مركز ابن رشيد، وقامت ضده ثورة تزعمها أخوه سعود بن حمود بن رشيد، الذي قتل أخاه وتولى السلطة، وعقد صلحاً مع الملك عبدالعزيز، وبالتالي فإن مركز أبا الخيل في بريدة قد ضعف بعدما حاصره الملك عبدالعزيز في قصر الإمارة، ومن ثم طلب أبا الخيل الأمان واستسلم ورحل مع أسرته إلى العراق سنة 1326 هـ/ 1908 م.
بعد ذلك التفت الملك عبدالعزيز إلى الهزازنة في الحريق واستطاع هزيمتهم سنة 1328 هـ/ 1910 م، فعادوا إلى الطاعة من جديد.
أما مسألة أخيه الأمير سعد بن عبدالرحمن، فقد تم حلها سلمياً عندما وافق الملك عبدالعزيز على طلب الحسن بن علي، وهو الإعان باعتراف الملك عبدالعزيز بسيادة الدولة العثمانية اسمياً، وقد أطلق سراح الأمير سعد سنة 1328 هـ/ 1910 م، وسمح الأتراك في الأحساء لقافلة الملك عبدالعزيز بدخول الأحساء بعد منعها سابقاً.
ضم الأحساء:
كان ضم الأحساء سنة 1331 هـ، وكانت تابعة للدولتن السعوديتين الأولى والثانية في السابق، وكان الملك عبدالعزيز يرى أن ضم الأحساء هام بالنسبة له ليصل بدولته إلى
البحر، لأن ذلك يعطي الدولة أهمية اقتصادية بالغة، خصوصاً وأن الأحساء منطقة زراعية، كما أن ضعف الحامية العثمانية في الأحساء كان دافعاً للملك عبدالعزيز لكي يضمها، إضافة إلى كره الأهالي للحكم العثماني، ومراسلتهم للملك عبدالعزيز أماً في عودة الحكم السعودي.
وكان الوقت مناسباً في سنة 1331 هـ للقيام بضم الأحساء، حيث كان الملك عبدالعزيز عقد صلحاً مع سعود بن عبدالعزيز بن رشيد، وقرر ضم الأحساء، فخرج من الرياض بسرية تامة متجهاً نحوها، ووضع خطة قصد بها التمويه على قبائل العجمان وآل مرة بأنه يريد غزو الشمال، لكي لا ينضموا إلى العثمانين الأتراك، ولكي لا يكونوا موجودين قرب الأماكن الهامة في الأحساء.
وصل الملك عبدالعزيز إلى سور الكوت، وتسلق بعض رجاله حصن الكوت ورموا الحبال إلى الباقن الذين لم يتسلقوا، فلما تكاثر الرجال داخل الكوت، أعلنوا عن دخول الباد في حكم الملك عبدالعزيز، وضعفت مقاومة العثمانيين الأتراك واضطروا إلى التسليم، وبعدها ضم الملك عبدالعزيز المناطق الأخرى التابعة للأحساء، وغادر الجيش العثماني التركي إلى العراق عن طريق البحر.
ضم حائل:
لم يدم الصلح بن الملك عبدالعزيز وآل رشيد، وذلك بعد قيام سعود بن عبدالعزيز بن متعب بن رشيد ضد سعود بن حمود بن رشيد، والذي كان مدعوماً من أخواله السبهان، وعادت المواجهة بن الملك عبدالعزيز وآل رشيد من جديد.
قامت بعد ذلك عدة معارك من أهمها: معركة جراب – قرب الزلفي – سنة 1333 هـ/ 1915 م، التي لم تكن في صالح الطرفن.
تجدد القتال بعد ذلك بن الطرفن، وكانت كفة الملك عبدالعزيز هي الأرجح، حيث دب الصراع الأسري على الحكم في إمارة آل رشيد، وذلك عندما قتل سعود بن رشيد على يد ابن عمه عبدالله بن طال بن رشيد، لكن القاتل قتل في اليوم نفسه، وتولى الإمارة عبدالله بن متعب بن رشيد سنة 1338 هـ/ 1920 م, ومن ثم ثار محمد بن طال بن رشيد على عبدالله بن رشيد، واستمر الصراع مع الملك عبدالعزيز، وأرسل الملك عبدالعزيز عدة جيوش لمحاصرة حائل، واستمر الحصار حوالي الشهرين إلى أن استسلمت وانضمت إلى حكم الملك عبدالعزيز وكان ذلك في أول سنة 1340 هـ/ 1922 م. وبذلك يكون الملك عبدالعزيز قد تمكن من دخول حائل واستردادها وضمها إلى
الباد السعودية.
ضم الحجاز:
كانت الحجاز ضمن الأراضي التابعة للدولة السعودية في السابق، وقد انتزعها من الدولة السعودية والي مصر محمد علي باشا، والدولة السعودية الثانية لم تتعرض للحجاز للظروف السياسية التي لم تكن مواتية لها في ذلك الوقت لوجود خطر الغزو المصري من قبل محمد علي باشا.
وكان الأشراف يحكمون الحجاز باسم الدولة العثمانية، ومنهم الحسن بن علي الذي عاصره الملك عبدالعزيز، وكان الحسن بن علي ذا تطلع لمد نفوذه في الجزيرة العربية باسم الدولة العثمانية، وكما سبق فإن حادثة أسر الأمير سعد بن عبدالرحمن أخي الملك عبدالعزيز كانت أول التقاء في الأحداث بن الطرفين.
وكان الحسن بن علي من الذين انجُذبوا لدعوة بريطانيا خال الحرب العالمية الأولى لإتحاد العرب والبريطانين ضد الأتراك، وعندما تحمس الحسن لدعوة بريطانيا كان دافعه في ذلك ما وعده البريطانيون من أن يكون ملكاً على العرب، وفي أثناء الحرب العالمية الأولى، وتحديداً في الفترة التي بدأت فيها ترجح كفة الحلفاء قويت شوكة الحسن بن علي وذلك عندما أعلن الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية سنة 1334 هـ/ 1916 م.
بعد ذلك بدأ الخاف بن الملك عبدالعزيز والشريف حسن بن علي، بعدما استولى الشريف على الحامية التركية في المدينة المنورة، وكان خاف حول تحديد الحدود بن نجد والحجاز، كما أن سكان بعض المناطق في الحجاز كانوا يميلون للملك عبدالعزيز انطلاقاً من ولائهم لانتشار الدعوة السلفية في المناطق الواقعة على الحدود بن تربة والخرمة، وكان أمير تلك الجهات من قبل الشريف، خالد بن لؤي الذي انشق عن الحسن وأعلن انضمامه إلى الملك عبدالعزيز، وطلب من الملك عبدالعزيز نصرته ضد أي هجوم من الشريف على باده، فعهد الملك عبدالعزيز إلى قواته بقيادة سلطان بن بجاد أن تقوم بنصرة خالد بن لؤي.
وقد حدث بالفعل ما كان يتوقعه خالد بن لؤي حيث إن عبدالله بن الحسن هاجم تربة وفتك بأهلها، لكن الوضع لم يستمر به طوياً، فقد بادر سلطان بن بجاد وخالد بن لؤي بهجوم مفاجئ وكبير سنة 1337 هـ/ 1919 م، فهزما جيش الشريف هزيمة منكرة، ولم ينج من الهزيمة سوى عبدالله بن الحسن وقليل من أتباعه، حيث قتل من جيشه أكثر من أربعة آلالاف رجل وقيل بل تسعة الآف رجل.
وبانتصار الملك عبدالعزيز في تربة تغيرت موازين القوى حيث بدأت ترجح كفة الملك عبدالعزيز، وبدأ في الزحف نحو الحجاز، بيد أن خشية الملك عبدالعزيز من التدخل البريطاني كان يدفعه إلى التوجه نحو الحجاز، خصوصاً عندما أرسلت بريطانيا إلى الملك عبدالعزيز تناشده أن يتوقف عند تربة وألا يتقدم إلى مناطق أخرى في الحجاز.
قام الشريف حسين بن علي بمنع الحجاج النجديين من أداء فريضة الحج. ولم يستفد الشريف من التدخل البريطاني شيئاً بسبب حرص الملك عبدالعزيز على حماية الأماكن المقدسة، مما دعا الملك عبدالعزيز إلى عقد مؤتمر بالرياض، الذي اشترك فيه علماء نجد, وزعماء الحاضرة والبادية سنة 1342 هـ/ 1924 م، وكان المؤتمر برئاسة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، وتقرر في المؤتمر القيام بالحج رغم المنع، فشكَّل الملك عبدالعزيز جيشاً قوامه خمسة عشر لواءً بقيادة خالد بن لؤي وسلطان بن بجاد، وكان اجتماع الجيش في تربة ثم زحف إلى الطائف سنة 1343 هـ/ 1925 م، وكان اللقاء بن جيش الملك عبدالعزيز وجيش الشريف حسن في الحوية، حيث كانت النتيجة هزيمة الشريف ودخول قوات الملك عبدالعزيز الطائف.
بعد ذلك استمر جيش الملك عبدالعزيز زاحفاً نحو مكة واشتبك مع قوات الشريف، ومن ثم تنازل الشريف حسن عن الملك لابنه علي، لعل ذلك يكون حاً للخلاف، ولكن ذلك التصرف لم يمنع الجيش السعودي من الزحف نحو مكة، الأمر الذي اضطر علي بن الحسن إلى الانسحاب من مكة إلى جدة، ودخل الجيش السعودي مكة دون قتال في 17 ربيع الأول من سنة 1343 هـ/ 1924 م، ثم وصل الملك عبدالعزيز في 7 جمادى الأولى 1343 هـ/ 1924 م.
تحصن علي بن الحسن في جدة، وقرر الملك عبدالعزيز محاصرته فيها، وأرسل إلى المدينة المنورة جيشاً لمحاصرتها، كما أرسل إلى القنفذة والليث ورابغ جيشاً استطاع ضمها إلى حكم الملك عبدالعزيز.
واستمر حصار الجيش السعودي لجدة أكثر من عام، حتى شعر علي بن الحسن بعدم قدرته على المقاومة، وطلب الصلح بعد ذلك، ووقعت اتفاقية جدة سنة 1344 هـ/ 1925 م ،ورحل بعدها الشريف علي من جدة إلى العراق.
أما المدينة المنورة فقد سلمت الحامية العسكرية للأمير محمد بن عبدالعزيز سنة 1344 هـ/ 1925 م. وبذلك يكون الملك عبدالعزيز قد تمكن من ضم الجحاز إلى الدولة السعودية.
ضم عسير:
تبدأ عسير من الحجاز شمالاً وحتى حدود إمارة الأدارسة جنوباً كانت عسير ضمن حدود الدولة السعودية الأولى، وبعد سقوط الدولة السعودية الأولى أصبحت تحت حكم الدولة العثمانية.
استطاع عائض بن مرعي تكوين إمارة مستقلة في عسير، وتمكن من إخراج الأتراك منها، لم يلبث الأمر طوياً لعائض بن مرعى فقد عاد الأتراك سنة 1288 هـ/ 1871 م إلى المنطقة، وأصبحت عسير متصرفية عثمانية.
بعد تغير موازين القوى، وبعد هزيمة الدولة العثمانية التي كانت بجانب دول المحور في الحرب العالمية الأولى، قل اهتمام الدولة العثمانية وقلت سيطرتها على بعض المناطق في الجزيرة العربية، فاستقل حسن بن علي آل عائض بعسير، لكنه كان يميل إلى سياسة الشدة والتعسف مع بعض القبائل في تلك الجهات، في حن كانت حدود الدولة السعودية الحديثة قريبة من إمارة آل عائض، فلجأ زعماء القبائل التي عانت من حسن ابن علي إلى الملك عبدالعزيز لتخليصهم من ظلمه، استجاب الملك عبدالعزيز لهم وأرسل وفداً من علماء نجد إلى حسن بن علي للنصح والإرشاد، لكن حسن تذمر من ذلك، لأنه اعتبر ذلك تدخاً في شؤون إمارته الداخلية، ورفض النصح مما أثار الملك عبدالعزيز، فجهز جيشاً بقيادة الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، وسارٍ ابن جلوي لقتال ابن عائض، والتقى معه في موقعة حجا 1338 هـ/ 1920 م،استسلم فيها حسن آل عائض، وتمكن عبدالعزيز بن مساعد من دخول أبها قاعدة عسير، حتى أكمل السيطرة عليها بالوصول إلى حدود المخاف السليماني سنة 1338 هـ/ 1920 م، وقد عامل الملك عبدالعزيز حسن بن علي آل عائض معاملة حسنة بعد أسره، حتى إنه عرض عليه العودة إلى الإمارة بشرط أن يكون تحت السلطة السعودية، لكنه اعتذر عن ذلك وبقي في المنطقة هو وأسرته وخصص لهم رواتب سخية.
لم يستمر وجود حسن بن علي طوياً في المنطقة دون أن يثير مشكلات، فلقد قام بحركة عسكرية استولى بها على أبها، حينما كان الملك عبدالعزيز محاصراً لحائل، وكانت حركته هذه مدعومة من الشريف حسن بن علي.
وبعد ضم حائل أرسل الملك عبدالعزيز جيشاً بقيادة ابنه الأمير فيصل الذي توجه إلى أبها سنة 1340 هـ/ 1922 م، واستطاع أن يخضع آل عائض من جديد، وأن يعيد السيطرة على عسير.
ضم جازان:
جازان هي المخاف السليماني، وتشمل صبياء وجازان وأبو عريش والمناطق المحيطة بها، وهي إمارة الأدارسة، وقاعدتها جازان. كانت جازان تابعة للدولة السعودية الأولى،وبعد سقوط الدولة وقبيل الحرب العالمية الأولى تحالف محمد بن علي الإدريسي مع إيطاليا وأسس إمارته المستقلة سنة 1332 هـ/ 1914 م، وتعاهد مع بريطانيا سنة 1333 هـ/ 1915 م.
وفي عام 1338 ه/ 1920 م لجأ محمد الإدريسي إلى الملك عبدالعزيز بعد أن تعرضت إمارته للتهديد من قبل الإمام يحيى في اليمن والشريف حسن في الحجاز، ووقع مع الملك عبدالعزيز معاهدة حماية ودفاع، ثم توفي محمد الإدريسي سنة 1341 هـ/ 1923 م، وتولى الإمارة بعده ابنه علي، ولم يلبث طوياً في الإمارة بسبب ضعف شخصيته وعدم مقدرته على إدارة الأمور، مما دعا أهل البلاد إلى خلعه وتنصيب عمه الحسن بن علي الإدريسي، الذي جدد المعاهدة مع الملك عبدالعزيز سنة 1345 هـ/ 1926 م، وبذلك احتفظ الملك عبدالعزيز بالشؤون الخارجية للإمارة، والحسن الإدريسي بالشؤون الداخلية، ويساعده مندوب عن الدولة السعودية.
ولكن الحسن لم يتمكن من إدارة الشؤون الداخلية بصورة حازمة مما دعاه أن يتنازل عن الحكم للملك عبدالعزيز سنة 1349 هـ/ 1930 م، وبذلك أصبحت جازان أو المخلاف السليماني ضمن الدولة السعودية، وكانت آخر المناطق من الجزيرة العربية انضماماً للحكم السعودي، ووصلت بذلك حدود الدولة السعودية الحديثة إلى المملكة اليمنية.
وبعد فترة لم تكن طويلة صدر مرسوم ملكي بتوحيد مناطق تلك المملكة تحت اسم جديد هو المملكة العربية السعودية سنة 1351 هـ/ 1932 م.