يعد فتح الرياض اللبنة العسكرية والسياسية الأولى، في تأسيس المملكة العربية السعودية، على يد الملك عبدالعزيز. فبعد أن أعد عدته ووضع خطته، اتجه من الكويت إلى الرياض، يوم 20 رمضان 1319ه، فوصل إلى مشارفها في الأول من شوال 1319هـ، واقتحمها، في 5 شوال 1319هـ، الموافق 15 يناير 1902م.

أولا : الموقف السياسي قبل فتح الرياض

كان الموقف السياسي، آنئذ، يتلخص في النقاط التالية:

  1.  كان الإمام عبدالرحمن بن فيصل وأسرته، من آل سعود وابنه عبدالعزيز، ضيوف في الكويت على شيخها مبارك بن صباح. وكان ابنه عبد العزيز يعد فكره في استعادة الرياض.
  2. منذ تولى الشيخ مبارك بن صباح إمارة الكويت في عام 1314هـ/ 1897م، وهو يستشعر عداء كل من عبدالعزيز بن متعب بن الرشيد، والعثمانيين له . إلى أن عقد اتفاق مع الإنجليز عام 1899م منحوه بمقتضاه حمايتهم.
  3. كان الأمر في الظاهر مستتبأ لابن الرشيد في بلاد نجد وجبل شمر، وكان يتخذ منطقة حائل مقرا له، تسانده الدولة العثمانية، التي كانت ترى أن الخطر قادم من الكويت.
  4. هاجم ابن الرشيد ” الجهراء “، وتمكن من هزيمة الشيخ مبارك بن صباح، وفرض الحصار على الكويت، ولكن مبارك الصباح استنجد بالإنجليز.
  5. وضع ابن صباح لبلاده إستراتيجية دفاعية محضة، ضد ابن الرشید.
  6. كانت الدولة العثمانية في جانب ابن الرشيد، ولكن جرت مفاوضات سرية بين الإنجليز والباب العالي، أرغمت الدولة العثمانية على عدم مساعدة ابن الرشيد.

ثانيا: الموقف العسكري

يتلخص الموقف العسكري في فتح الرياض على النحو التالي:

  1. القائد عبدالعزيز آل سعود، قلق على الوضع في بلاده، وما يلاقيه سكانها من جور وظلم.
  2. كان موقف ابن سعود حرجة، خاصة بعد هزيمة حليفه مبارك الصباح في موقعة ” الصريف “، من أبن الرشيد، عام 1318هـ.
  3. أبلغ الابن عبدالعزيز، والده الإمام عبد الرحمن آل سعود، عزمه غزو الرياض، وأنه لن يتراجع عن المضي في الأمر إلى نهايته. فراع هذا التفكير الوالد، وأشفق على ابنه، ونصحه  تأجيل هذا الأمر، وتركه إلى فرصة أخرى مواتية، خاصة وهو صغير السن. فرفض الأبن وأصر على تنفيذ قراره، فوافق الوالد ودعا له.
  4. استشار الأمير عبدالعزيز مضيفه مبارك الصباح، فأقره على الفكرة، وقدم له ذلوة ( ناقة ) سريعة. وثلاثين بندقية وذخيرة، وعشرين ليرة ذهبية، وبعض المؤن ليستعين بها.
  5. قرر استخدام عناصر المباغتة والمفاجأة والسرعة، الواجب اتباعها في أسلوب العمليات الخاصة الخاطفة. وبني خطته لغزو الرياض على ذلك.
  6. قرر أن يستطلع الموقف، ثم يبني عليه خطة خداع وتضليل، ثم خطة قائمة على المخاطرة. لذلك أرسل العيون والطلائع لتجمع أخبار القبائل، وتستكشف الموقف.
  7. قرر أن يستعين بالقبائل الكارهة لحكم ابن الرشيد وظلمه، والتي تميل بطبيعتها إلى آل سعود، كما قرر أن يكون في سلوكه خلال الغزوة ما يدعو باقي القبائل للتخلي عن تأييد  آل رشيد.

ثالثا: قوات الطرفين أثناء فتح الرياض

قوات عبدالعزيز آل سعود في فتح الرياض:

الأفراد

كانوا في البداية (40) فارسا، وانضم إليهم (20) آخرون، فأصبحوا (60) سكين فارس .

العتاد

  • حوالي (45) دلو .
  • (60) بندقية مع ذخائرها، مع كل رجل بندقية، مع الاحتفاظ بنسبة من الذخيرة في الاحتياطي
  • بعض السيوف.
  • بعض الرماح
  • بعض السلاح الشخصي الأبيض .

التموين

لم يكن مع عبد العزيز من التموين الغذائي أثناء مسيرة إلى فتح الرياض إلا الشيء القليل، وكان يعتمد على الله، ثم ما يجده أمامه من مناصريه، من القبائل.

قوات ابن الرشيد:

الأفراد

(90) من رجاله الأشداء .

العتاد

  • قلعتان، الأولى ضمن الثانية في قصر المصمك وقصر الأعمال.
  • (90) بندقية مع ذخيرة الخط الأول، لدى كل حارس.
  • بعض الخيول في القصر.
  • بنادق وسيوف والسلاح الشخصي.

التموين

كل شيء من التموين متوفر لديهم.

رابعا: وصف ميدان المعركة في فتح الرياض

تقع الرياض في العارض بوسط نجد. وكان عجلان، الحاكم عليها من قبل ابن الرشيد، يسكن قصر خاص به وبأسرته، وبجانبه قصر أخر أعماله، وبين القصرين فسحة كبيرة لها باب ضخم من حديد. وكلها داخل سور المصمك، الذي يوجد به أيضأ قلعتان.

وجميع المنافذ والسبل إلى القصرين والساحة، محكمة الحصار ومغلقة. وبجوار قصر الحريم، بيت لأحد تجار الرياض يسمى “جويسر”، ويفصل بينه وبين القصر بيت أخر.

خامس: الخطة العامة للهجوم

الخطة الأولية

تقسيم القوات العسكرية، والمساندة الدينية، إلى:

قسم الدعوة: ويتكون من رجال الدين المخلصين والمطلعين، وهم أصحاب البلاغة والقدرة على الإقناع والتأثير على الرجال، للدعوة في سبيل الله، وكسب أنصار جدد لابن سعود.

قسم الاستطلاع: يعمل به عدد من أمهر الفرسان ممن عرفوا ( بالسبور أو الظهور أو العيون )، وهم أهل خبرة وفراسة، ويتمتعوا بالقدرة العالية على جمع المعلومات عن العدو والقبائل المناصرة له.

قسم القوة الرئيسية: وتتكون من الفرسان، الراكبة على الخيل أو الإبل، والمحاربين المترجلين.

قسم التموين: ويتكون من مجموعة من المحاربين، لهم خبرة ودراية في جمع الغنائم والمعدات المستولي عليها، وكذلك معرفة أفضل الأساليب للاستفادة من الموارد الطبيعية.

التحرك وسير الأحداث

قسم التحرك إلى أربع مناطق، هي:

  1. منطقة تجمع أولية لحشد القوات واستعدادها، في الكويت.
  2. منطقة الخداع والتضليل لابن الرشيد.
  3. منطقة التجمع النهائي حول ( أبو جفان ) في بساتين ” الشميسي ” جنوب شرق الرياض.
  4. منطقة الهدف.

بعد تمام إعداد القوات في منطقة حشدها بالكويت واستعدادها للتحرك، وفي التوقيت المحدد لبدء سير الاقتراب، ومع تطبيق مبدأ السرية التامة للخطة، تحرك القائد عبدالعزيز بن سعود على رأس القوة المتقدمة إلى فتح الرياض، دافعاً قسم الاستطلاع أمام قواته لجلب المعلومات عن عدوه والقبائل التي تسانده، وذلك طبقا للخطة الموضوعة للمسير، عبر الأحساء وشمال نجد، وانضمت بعض القبائل له، وتخلى بعضها عنه، فمن تخلى تمت محاربته والقضاء عليه، وشن غاراته على قرى ( العليا والنباج وبرقاء الوطينان) فالقرية السفلى . ثم اتجه إلى الشرق فأغار على بعض القرى المعادية . ثم اتجه إلى الجنوب في اتجاه الصرار، حتى وصل إلى وادي المياه، ثم سار إلى ( الرمادية ومشاش الهيشري )، ثم اتجه إلى الجنوب الشرقي إلى أن وصل جنوب ( متالع والنجبية)، وهناك أصبح معه ألف مقاتل و(400) فارس من العجمان ومطير والعوازم، وبني هاجر وسبيع، وبني مرة، ولكن ذلك لم يدم طويلا، حيث تحركت الدولة التركية في الأحساء فبعثت إلى شيوخ وأبناء القبائل التي انضم أفرادها مع ابن سعود وهددتهم ونشرت الرعب بين صفوفهم فانفضوا من حوله ولم يبق منهم سوى عشرين رجلا، عاهدوا ابن سعود على القيام معه إلى الرياض، فأصبح تعداد قواته ( ستون ) رجلا تقريباً.

أخذ القائد عبدالعزيز الفرسان والعتاد والتموين الخفيف معه، ليسهل عبور الصحراء، وتحرك في اتجاه الجنوب حتى نزل ( العضيلية ) فتزود منها باحتياجاته من الزاد والمؤن، ثم تحرك في اتجاه الجنوب الشرقي حتى وصل ( الجافورة ) في الربع الخالي، ثم غير مساره من الشرق إلى الغرب حتى أشرف على واحة ( يبرين )، حيث تزود منها بما يحتاج وحول اتجاهه إلى الشمال عبر وادي ( وتيرة ) ووادي ( العاقولة ) ثم استقر في قفاف ( صمان يبين ).

وفي العشرين من رمضان رحل باتجاه الشمال الغربي حتى نزل ( روضة التوضيحية )، والتي يجتمع فيها عدد من الأودية أشهرها وادي ( القبوري )، ووادي ( غضي ) . ثم رحل في اتجاه الغرب حتى نزل ( أبو جفان ) شمال ( وادي وسيع ) والتي تقع شرق الرياض – (147) كيلومتر .

وفي ثالث أيام العيد وبينما الناس في لهو ومرح خرج الشباب المغامرون إلى جفان وعبرو (خشم عوصاء ) ووادي اللي حتى نزلوا ( ضلع الشعيب ) وهو التل الواقع في الجنوب الغربي من حي الربوة، وترك هناك عشرين من رفاقه ومعهم المؤن والإبل والخيل ثم تحرك منها الساعة السادسة ليلا ومعه ( أربعين ) رجلا، ثم دخل بستان ( الشميسي ) في الشمال الغربي من البطحاء ، قرب الموقع الذي به وزارة التجارة اليوم (فيما بين عمائر الراجحي وخزان مياه الرياض الآن .

وإن نجاح خطة القائد عبدالعزيز في فتح الرياض تكمن في تحقيق مبدأ السرية التامة حيث روعي الأتي:

  1. لم يطلع على الخطة إلا قلة من أقربائه المخلصين من ذويه، وأطلع عليها فقط مضيفه مبارك بن الصباح.
  2. استغل العداء بين ابن صباح وابن الرشيد، فقد نجح القائد عبد العزيز في إيهام خصمه بأن قواته جزء من قوات ابن صباح.
  3. كان يتحرك ليلا ويتوقف نهارا لإخفاء تحركه.
  4. قام القائد عبدالعزيز بعملية خداع وتضليل حيث تظاهر وأشاع بأن خلافا دب بين قواته وتسبب في تشتيتها، وأتم خلالها تسريح القبائل على دفعات حيث عادوا إلى قبائلهم. مما جعل ابن الرشيد يصدق هذه الأخبار خاصة عندما علم يقينا أن القبائل تخلت عن ابن سعود وعادت إلى مراعيها.
  5. أبقى القائد عبدالعزيز خطته النهائية في سرية تامة.

وبهذا انتهت الخطة الأولية، وبدأت الخطة النهائية.

الخطة النهائية

تقسيم القوات

قسم عبدالعزيز قواته إلى المقدمة والوسط والمؤخرة. وقرر ترك عشرين رجلا مسلحا من جماعته في حراسة المطايا في البساتين ( وهم قوة المؤخرة )، وأبلغ جماعته الستين أن مهمته الرئيسية، هي الهجوم على قصر المصمك واحتلاله، ثم احتلال الرياض، ثم عمل على اكتمال عناصر الخطة العامة وهي:

  1. الحشد والاستعداد الأولى في الكويت، كمنطقة تجمع أولية.
  2. تحقيق السرية التامة لخططه ونواياه أثناء الاستعداد والحشد في الكويت.
  3. الاستطلاع والمناورة، أثناء التحرك من الكويت إلى واحة يزين.
  4. إخفاء التحرك.
  5. الخداع والتضليل لابن الرشيد في واحة يبرين.
  6. خفة الحركة.
  7. قوة الصدمة.
  8. قوة النيران.
  9. خطة اقتحام الرياض.

التقدم وطريق الاقتراب

  1. تقدم القائد عبدالعزيز ومعه الرجال الأربعون نحو الرياض، ومنهم أخوه محمد، وابن عمه عبد الله بن جلوي.
  2. استخدم ابن سعود بساتين النخيل في طريق تقدمه إلى الرياض ساترة لإخفاء تحركه.
  3. أبلغ باقي قواته ( العشرين رجلا ) الذين مكثوا في منطقة التجمع، بأنه إذا مرت أربع وعشرين ساعة ولم يصلهم خبر، أو يعود لهم بنفسه، فعليهم أن يذهبوا إلى الكويت ويبلغوا والده بأنه ومن معه قد قضوا نحبهم، أو أنهم أسرى لدى حاكم ابن الرشيد في الرياض.
  4. ترك في البساتين، على أبواب سور الرياض، ثلاثة وثلاثين رجلا من قواته، وعلى رأسهم شقيقة الأمير محمد، لحماية مؤخرته، وظهره وهم ( قوة الوسط )، وتعمل كقوة للدعم واستغلال النجاح، وأمر شقيقه بالبقاء في تلك المزرعة حتى تصل إليه إشارة منه بالحركة، فإن لم تصل الإشارة قبل الصباح فعليه مغادرة المكان طلبا للنجاة.
  5. أما المقدمة فتتكون من سبعة من رجاله الأوفياء ، بقيادته شخصية، وهم عبدالله وعبد العزيز وفهد أبناء جلوي بن تركي، وناصر بن سعود آل فرحان، واثنان من خدام آل سعود، وتعتبر هذه المجموعة من الأفراد المدربين الأشداء .

ساعة الصفر

قرر القائد عبدالعزيز أن يكون وقت الهجوم على السور ، ساعة (2400) في الرابع من شوال 1319هـ.

مرحلة الاقتحام

  1. اتجه القائد عبدالعزيز سيرا على الأقدام، ومعه سبعة من رجاله، منهم عبدالله بن جلوي وهم (قوة المقدمة)، نحو الهدف، وهو السور الخارجي للرياض لاقتحامه، من الجهة الجنوبية الغربية.
  2. واجه القائد عبد العزيز صعوبة في اقتحام السور الخارجي، فأمر بقطع نخلة، واستعمالها شلما لعبور جنوده بكل حذر.
  3. اقتحم السور ودخل بيت (جويسر) المجاور لقصر المصمك، ثم تسلق جدار بيت أخر مجاور للقصر واقتحمه وتبعه کل رفاقه.
  4. أرسل بطلب أخيه محمد ومن معه للحاق به، وأتوا مسرعين من الطريق نفسه بواسطة الدليل، ومن دون أن يكتشف أمرهم أحد.
  5. كل من وجده من الرجال في المنزل أخذه واحتجزه ووضعه في معزل، من دون صوت أو حراك.
  6. اقتحم سبعة من رجاله قصر عجلان، الذي لم يكن موجودة في ذلك الوقت، ودخلوا كل غرفه ووجدوا زوجة عجلان وأختها نائمتين، أخذهما ووضعهما في غرفة تحت الحراسة. واستجوبهما حتى عرف منهما أن عجلان نادم كعادته عند الحامية وأنه لا يحضر إلى بيته إلا بعد طلوع الشمس، كما عرف منهم وقت خروج عجلان من القصر الداخلي، وفي أي مكان يركب جواده.
  7. فرض السيطرة الكاملة والكتمان، على كل من في القصر .
  8. أخذ رجاله مواقعهم في القاعة الأمامية لقصر عجلان للمراقبة، باستخدام النوافذ وملاحظة ما يجري في الخارج.
  9. كان الوقت ساعة (0200) في الخامس من شوال 1319هـ، حيث استراح الأمير وجنوده، وتناولوا بعض الطعام وناموا قليلا، ثم استيقظوا وصلوا الفجر، ورفعوا الأكف بالدعاء وطلب النصر من الله.
  10. بعد أداء صلاة الفجر، بدأوا يضعون تفاصيل الخطة المستنبطة الهجوم على عجلان أولا، ثم خراسه. وكانت تعليمات هذه الخطة كالتالي:
    • (1) أربعة من الرجال وراء النوافذ، لإطلاق النار على حرس الباب الخارجي، عند خروج ابن سعود من مكان قيادته في القصر إلى الساحة.
    • (ب) عند خروج أبن سعود، يخرج معه الباقون إلى الساحة لمواجهة رجال عجلان.

سير وأحداث المعركة النهائية في فتح الرياض

  1.  عند حلول الوقت، الذي حصل عليه من زوجة عجلان، فتح باب القصر، وأخرج العبيد الخيل في الشمس. وكان في وسط باب القصر الضخم خوخة ( فتحة في الباب ) تتسع لدخول رجل واحد أو رجلين فقط.
  2. خرج ابن سعود . دون أن يلفت النظر. عند فتح الباب، وتبعه رجاله، وكان عجلان قد خرج من القصر في طريقه إلى قصر زوجته.
  3. هجم ابن سعود على عجلان ورجاله، فلما رآهم عجلان ظهرت عليه الدهشة والرعب وهرب مع رجاله إلى الوراء، وقد أقفل الباب ما عدا ( الخوخة )، وبينما كان رجال عجلان يتزاحمون على الخوخة، أطلق عبدالعزيز بن سعود النار من بندقيته على عجلان وأصابه في يده، وتمكن عجلان من الوصول إلى الخوخة ولكن عبدالعزيز أدركه قبل دخوله برمية رمح أخطأته، وأنكسرت سن الرمح على الباب، ولكن عبدالعزيز أمسك عجلان برجليه وسحبه إلى الخارج، وتمكن عجلان من ضرب عبد العزيز بسيفه ولكن الأمير تلقاها ببندقيته فطاحت على الأرض من يده، ثم انقض على عجلان، واشتبك الاثنان في صراع رهيب انتهى بهروب عجلان الداخل الحصن. أما جماعة عجلان، الذين سبق لهم دخول ( الخوخة )، فقد صعدوا إلى الأبراج المطلة على السوق، وأخذوا يطلقون النار على رجال ابن سعود من ( المزاغل ). فتراجع المهاجمون، إلا عبد الله بن جلوي حيث كان أول من دخل الحصن وراح يطارد عجلان وأطلق عليه عيارة نارية فأرداه قتيلا وفي الحال. وجاء مصرعه قاضية على معنويات جنوده وحراسه في الحامية. ونادي الأمير ابن سعود في رجاله فهجموا على الحصن بقوة وفتكوا بحراسة، وأبقى عبد العزيز على حياة عشرين منهم. وأستسلم الحصن لعبدالعزيز ومن ثم الرياض بأكملها في (5 شوال 1319هـ ).

نتيجة المعركة

الاستيلاء على قصر المصمك، وقتل عجلان، والاستيلاء على مدينة الرياض.

خسائر الطرفين

خسائر أبن سعود: قتل اثنان من رجاله، وجرح أربعة.

خسائر ابن الرشید: قتل عجلان حاكم الرياض، المعين من قبل ابن الرشيد، و معظم جراسه إلآ عشرين منهم، فقد أعطاهم ابن سعود الأمان.

سادسا: الدروس المستفادة من فتح الرياض

  1. أهمية تحديد القائد للهدف من المعركة، التي يريد الإقدام عليها، وأهمية وضوح ذلك الهدف في ذهنه وتفكيره. وكان هدف الأمير عبد العزيز في تلك المعركة محددة بدقة، وواضحة بجلاء؛ وهو انتزاع الرياض، عاصمة حكم آبائه وأجداده من ابن الرشيد، بالقضاء على عامله فيها والتغلب على حاميته.
  2. أهمية اختيار الوقت المناسب لدخول المعركة؛ وذلك من ثلاث زوايا، فقد اختار الملك عبدالعزيز توقيت سيره إلى الرياض، عندما غلب على ظنه أن ابن الرشيد قد اعتقد أنه لن يقوم بمهاجمتها. وهو بهذا الاختيار حقق عنصر المفاجأة، واختار فصل الشتاء لذلك السير ودخول الرياض، لأن ليل الشتاء طويل يتيح الفرصة أكثر من ليل الصيف، لقطع مسافات الطريق المطلوب قطعها ليلا، ويجعل أهل الرياض داخل بيوتهم اتقاء للبرد. واختار ليلة الخامس من شهر شوال لأن الهلال يغيب قبل الساعة المحددة لدخولها، فيكون مسرح العملية مظلمة مناسبة للتسلل والتحرك في سرية.
  3. أهمية التخطيط الجيد للمعركة بوضع الخطوات التي يجب القيام بها قبل دخول المعركة، ثم طريقة إدارتها. وقد تمثل ذلك في جميع الخطوات التي مرت بها معركة الرياض.
  4. أهمية السرية في التحرك، ذلك أن ما قام به الملك عبدالعزيز ورفاقه من سير خلال الليل واختباء في أثناء النهار كان عام من العوامل التي حفظت تلك السرية، وأثمرت النجاح.
  5. أهمية اختيار أرض المعركة، ذلك أن الملك عبد العزيز اختار الرياض، التي تمثل رمزا لتاريخ أسرته، ويكن أكثر سكانها ولاء لهذه الأسرة، مما دفعهم إلى التعاون معه. وقد اتضح أنه بمجرد انتصاره على حامية ابن الرشيد وعامله، هرع إليه أولئك السكان مبايعين فرحين.
  6. أهمية معرفة جميع الطرق المؤدية إلى الهدف، لاختيار أقربها وأكثرها احتما” للنجاح. فالقائد عبد العزيز يعرف . مثلا . الطريق إلى الرياض، كما يعرف مواقع بيوت أهلها، ولذلك كان أول بيت دخله ورفاقه، لا يبعد عن هدفه إلا بيتا واحدة.
  7. أهمية الانضباط لدى الأفراد، ذلك أن رفاق عبدالعزيز قد طبقوا تعليماته بدقة. ونفذوها، من دون تأخير.
  8. أهمية التشاور والنقاش. يقول القائد عبد العزيز: ” وبعد أن صلينا الفجر جلسنا نفكر ماذا نعمل “.
  9. أهمية مرونة القائد في تغير خطته، إذا رأى ضرورة لذلك، كما هو واضح في قرار القائد عبدالعزيز باقتحام قصر المصمك، بدلا من انتظار دخول عجلان إلى بيته للقضاء عليه. فتحقق بتلك المرونة قتل الخصم من جهة، واقتحام المصمك، ثم السيطرة عليه، من جهة أخرى.
  10. أهمية دراسة طرق التحرك وسير الاقتراب وطبوغرافية الأرض من وجهة النظر العسكرية، ومدى ولاء القبائل بالقرى التي يمر بها.
  11. أهمية الاستخبارات والحصول على معلومات عن الخصم وتحركاته وما لديه من إمكانيات حيث تم معرفة طريقة الحراس، وتبديلهم، وأوقاتهم، وكيفية حراستهم للمصمك، وساعات غفلتهم.
  12. أهمية العامل النفسي، فقد تم الاتصال بالقبائل الموالية لآل سعود بواسطة قسم الدعوة، وطلب منهم، ومن غيرهم، نصرة عبدالعزيز، وتم أيضا الاتصال سرأ بأهل الرياض بواسطة قسم الدعوة، وتذكيرهم بفضل آل سعود، وطلب نصرتهم له.
  13. أهمية الروح المعنوية، فقد قام ابن سعود بإفهام رجاله كل الأمور، التي تحيط بالمهمة الرئيسية وشرح لهم كل شيء بالتفصيل، حتى أتقن كل فرد منهم عمله ومهمته تماما، ثم تعاهدوا على الاستبسال في سبيل الله، فأما حياة شريفة أو موت بعزة وكرامة.
  14. أهمية السيطرة والاتصال، فقد حدد ابن سعود وقت محددة في منطقة بساتين ( الشميسي ) كوسيلة للاتصال، وهي أربع وعشرون ساعة ليكون بقية رجاله على علم بالموقف وتطوره، ثم ينفذوا أمره بهذا الخصوص، كما ظهرت أهمية السيطرة على القوات بالصوت والإشارة عند انتشارها في مجموعات قتالية صغيرة.
  15. أهمية عامل المفاجأة، فقد اختار عبدالعزيز الهجوم بعد غروب الشمس. واقتحم السور الخارجي من الجهة الجنوبية الغربية للرياض، وهي أكثر أمانا من الجهات الأخرى لوجود السكان الموالين لابن سعود .
  16. أهمية الاقتصاد في القوة، فلم يغامر ابن سعود بكل قوته في مرحلة الاقتحام في بادئ الأمر، بل ترك عدد منهم على أبواب سور الرياض، حتى يتم استدعاؤهم، وقد ثبت أن قلة العدد ليست دائمأ عامل ضعف، بل قد تكون ضرورية في بعض الأحيان والظروف.
  17. أهمية الاستفادة من الموالين، فقد كان لوجود بعض الأهالي ومعرفتهم لابن سعود من قبل، دور كبير في امتناعهم عن الصراخ والضوضاء وكشف الاقتحام.
  18. أهمية ضبط الأعصاب والهدوء ، فبعد أن اقتحم ابن سعود القصر حتى واجه عجلان مشيا على الأقدام، وتمكن من السيطرة على رجاله بواسطة الإشارات والصوت.
  19. أهمية المباغتة، فقد اندهش عجلان عندما واجهه ابن سعود، وكان لتأثير قوة الصدمة وشدة المفاجأة عليه، أن انتابه الخوف والتراجع، ومحاولته الهروب من أمام ابن سعود .
  20. أهمية العفو عند المقدرة .

سابعا: مدى تطبيق القائد عبدالعزيز، مبادئ الحرب الحديثة، في فتح الرياض

  1. استخدم القائد عبدالعزيز وطبق، المبادئ الحربية الحديثة على النحو الآتي:
  2. التقوى والخوف من الله. قال تعالى: ومن لم يتم بما أنزل الله أوليك هم الظالمون (سورة المائدة، الآية 45).
  3. طبق مبدأي تحديد المهمة الرئيسية والإرشاد لجماعته، وتأكد من فهمهم للخطة.
  4. طبق المبادئ الحديثة لتنظيم السير والتقدم للوصول للغرض، مستخدما أنسب طرق الاقتراب .
  5. عند اختياره طريق الاقتراب، اختار الطريق خلال البساتين، لكي يستخدمها ساترة لإخفاء تحركات رجاله. وهذا ناتج عن حنكته الحربية ومعرفته لمنطقة العمليات. وكان يتحرك ليلا ويتوقف عن التحرك نهارا، لإخفاء تحركاته، (مبدأ الإخفاء).
  6. طبق مبدأ الاقتصاد في القوة، وكذلك عدم الزج بكل قواته في القتال، واتضح ذلك من توزيعه المحكم لجماعته.
  7. استخدم ضابط الارتباط والدليل، بينه وبين رجاله، كنظام من أنظمة السيطرة على القوات.
  8. طبق مبدأ الاستخبارات والحصول على المعلومات، باستجوابه زوجة عجلان حتى علم منها وقت خروج زوجها من القصر، والمكان الذي سيكون به، وهي معلومات ذات قيمة ومهمة.
  9. طبق مبدأ فرض السيطرة والصمت، وضبط الأعصاب في قصر المصمك، طيلة وجوده به، ولمدة ليلة كاملة. واستخدم السيطرة بالصوت وبالإشارات.
  10. نظرا لعدم توافر الاتصالات، استخدم أسلوبية ناجحة بينه وبين منطقة التجمع وقيادتها (راجع الدروس المستفادة).
  11. طبق مبدأ المفاجأة في اقتحام السور، ثم المباغتة في الهجوم على عجلان داخل قصره، وبين حراسه.
  12. استخدم أسلوب المغامرة والصرامة في التعامل مع الخصم، وحقق مبدأ قوة الصدمة.
  13. تطبيقا للشريعة وامتثالا لأوامر الله، أحسن معاملة الأسري، وأكرمهم ومن عليهم بالأمن والحرية.
  14. لم يستخدم عنصر النيران على قصر المصمك، لأنه لا يرغب في ذلك، وليس في الخطة ولا يخدمه بشيء.